الذكر الدائم
إن من صفات المؤمن، كما نعرف من دعاء كميل، أنه يطلب من الله -عز وجل- أن يكون لسانه لهجا بذكر الله عز وجل.. (واجعل لساني بذكرك لهجا، وقلبي بحبك متيما).. فطبيعة بني آدم تغلب عليه الغفلة، ولعل كلمة "إنسان" أطلقت عليه لغلبة النسيان. كيف يذكر الإنسان ربه؟.. هناك عدة عوامل، تجعل الإنسان في ذكر دائم: أولا: المصيبة والبلاء.. إن الإنسان عندما يقع في مصيبة، يخرج من جو الغفلة.. ولهذا فإن إيمان السفينة إيمان معروف، فالمؤمن وغير المؤمن عندما يكون الطوفان، يذكر الله عز وجل، يقول تعالى في كتابه الكريم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.. فإذن، إن المصيبة تذكّر، ولكن مادامت قائمة.. ولهذا فإن المسجون يكون في محرابه وعلى سجادته يصلي، فإذا أطلق سراحه ينسى كل شيء. ثانيا: النعمة.. إن النعمة هي أيضا تذكر، حيث يكون الإنسان في غفلة، فيأتيه خبر مفرح مثلا: جاءه صبي، أو مال، أو فرج.. فيذكر الله -عز وجل- وهذا أمر جيد!.. ورد في الرواية: (كنت مع الصادق (ع) بالمدينة وهو راكب حماره، فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريباً من السوق، فنزل وسجد وأطال السجود وأنا أنتظره، ثم رفع رأسه.. قلت: جعلت فداك!.. رأيتك نزلت فسجدت!.. قال: إني ذكرت نعمة الله عليّ.. قلت: قرب السوق، والناس يجيئون ويذهبون؟.. قال: إنه لم يرني أحد). ثالثا: الاستفتاح بالتسمية.. إن الإنسان ليس دائما في مصيبة، وليس دائما في نعمة.. لذا علينا أن نجعل الأعمال لله -عز وجل- دائما، مثلا: عندما يريد أن يذهب الرجل إلى المنزل، فإن أول خطوة يقوم بها، هي ركوب السيارة.. فبإمكانه أن يقرأ هذه الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.. هذه الآية البعض يقرأها في الطائرة، ولكن أيضا يمكن أن يقرأ هذا الدعاء عند الركوب في السيارة.. وعندما يدخل المنزل، فليقل: بسم الله أدخل هذا البيت.. وهناك دعاء عند الخروج من المنزل: ورد أن الإنسان إذا خرج من منزله، قال حين يريد أن يخرج: "الله أكبر، الله أكبر ثلاثا" بالله أخرج، وبالله أدخل، وعلى الله أتوكل" ثلاث مرات" اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير، واختم لي بخير، وقني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم" لم يزل في ضمان الله -عز وجل- حتى يرده الله إلى المكان الذي كان فيه.. وعندما يريد أن يتناول الطعام، يبدأ بالبسملة، وينتهي بالحمد.. وعندما يتوضأ كذلك يبدأ بالبسملة.. وقد ورد عن النبي (ص)، عن الله عز وجل: (كل أمرٍ ذي بال، لم يُذكر فيه بسم الله؛ فهو أبتر).. فإذن، إن كل الأمور الهامة، هي من موجبات ذكر الله كثيرا. إن من آثار ذكر الله عز وجل، غير إخراج العمل عن كونه أبتر، أنه يحمي الإنسان من الوقوع في المعاصي.. مثلا: عندما يركب الإنسان الطائرة، ويقول: بسم الله أفتتح سفري هذا، سوف لن يعصي الله.. فالذي يلتفت إلى مضمون التسمية، قهريا لا شعوريا، لا يمكن أن يكون هذا العمل الذي باركه ببسم الله، مقدمة لحرام يرتكبه. ما معنى بسم الله؟.. في اللغة العربية: كل جار ومجرور، لا بد أن يكون متعلقا بشيء.. مثلا: إذا قلنا: في الدار.. فإن هذه الجملة ناقصة، ولا بد أن تقدر تقديرا بـ: مررت أو دخلت.. وهنا {بسم الله} جار ومجرور، و{الرحمن الرحيم} صفة للفظ الجلالة.. فالجملة ناقصة جدا، ولابد أن نقدر، والتقدير المعروف: أني أفتتح عملي هذا ببسم الله الرحمن الرحيم. | ||